فصل: سورة الروم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (68):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)}
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} بأن زعم أن له سبحانه شريكًا وكونه كذبًا على الله تعالى لأنه في حقه فهو كقولك: كذب على زيد إذا وصفه بما ليس فيه {أَوْ كَذَّبَ بالحق} يعني الرسول أو الكتاب {لَمَّا جَاءهُ} أي حين مجيئه إياه، وفيه تسفيه لهم حيث لم يتأملوا ولم يتوقفوا حين جاءهم بل سارعوا إلى التكذيب أول ما سمعوه.
{أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين} أي ثواء وإقامة لهم أو مكان يثوون فيه ويقيمون، والكلام على كلا الوجهين تقرير لثوائهم في جهنم لأن الاستفهام فيه معنى النفي وقد دخل على نفي ونفي النفي إثبات كما في قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ** واندى العالمين بطون راح

أي ألا يستوجبون الثواء أو المكان الذي يثوى فيه فيها وقد افتروا مثل هذا الكذب على الله تعالى وكذبوا بالحق مثل هذا التكذيب أو إنكار واستبعاد لاجترائهم على ما ذكر من الافتراء والتكذيب مع علمهم بحال الكفرة أي ألم يعلموا أن في جهنم مثوى للكافرين حتى اجترؤا هذه الجرأة، وجعلهم عالمين بذلك لوضوحه وظهوره فنزلوا منزلة العالم به، والتعريف في {الكافرين} على الأول: للعهد فالمراد بهم أولئك المحدث عنهم وهم أهل مكة، وأقيم الظاهر مقام الضمير لتعليل استيجابهم المثوى، ولا ينافي كون ظاهره أن العلة افتراؤهم وتكذيبهم لأنه لا يغايره والتعليل يقبل التعدد، وعلى الثاني: للجنس فالمراد مطلق جنس الكفرة ويدخل أولئك فيه دخولًا أوليًا برهانيًا.

.تفسير الآية رقم (69):

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)}
{والذين جاهدوا فِينَا} في شأننا ومن أجلنا ولوجهنا خالصًا ففيه مضاف مقدر، وقيل: لا حاجة إلى التقدير بحمل الكلام على المبالغة بجعل ذات الله سبحانه مستقر للمجاهدة وأطلقت المجاهدة لتعم مجاهدة الأعادي الظاهرة والباطنة بأنواعهما {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا، والمراد نزيدنهم هداية إلى سبل الخير وتوفيقًا لسلوكها فإن الجهاد هداية أو مرتب عليها، وقد قال تعالى: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17] وفي الحديث: «من عمل بما علم ورثه الله تعالى علم ما لم يعلم».
ومن الناس من أول {جاهدوا} بأرادوا الجهاد وأبقى {لَنَهْدِيَنَّهُمْ} على ظاهره، وقال السدي: المعنى والذين جاهدوا بالثبات على الإيمان لنهدينهم سبلنا إلى الجنة، وقيل: المعنى والذين جاهدوا في الغزو لنهدينهم سبل الشهادة والمغفرة، وما ذكر أولًا أولى، والموصول مبتدأ وجملة القسم وجوابه خبره نظير ما مر من قوله: {والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُبَوّئَنَّهُمْ مّنَ الجنة غُرَفًَا} [العنكبوت: 58].
{وَأَنَّ الله} المتصف بجميع صفات الكمال الذي بلغت عظمته في القلوب ما بلغت {لَمَعَ المحسنين} معية النصرة والمعونة وتقدم الجهاد المحتاج لهما قرينة قوية على إرادة ذلك، وقال العلامة الطيبي: إن قوله تعالى: {لَمَعَ المحسنين} قد طابق قوله سبحانه: {جاهدوا} لفظًا ومعنى، أما اللفظ فمن حيث الإطلاق في المجاهدة والمعية، وأما المعنى فالمجاهد للأعداء يفتقر إلى ناصر ومعين، ثم إن جملة قوله عز وجل: {إِنَّ الله لَمَعَ المحسنين} تذييل للآية مؤكد بكلمتي التوكيد محلى باسم الذات ليؤذن بأن من جاهد بكليته وشراشره في ذاته جل وعلا تجلى له الرب عز اسمه الجامع في صفة النصرة والإعانة تجليًا تامًا، ثم إن هذه خاتمة شريفة للسورة لأنها مجاوبة لمفتتحها ناظرة إلى فريدة قلادتها {أَحَسِبَ الناس أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2] لامحة إلى واسطة عقدها {ياعبادى الذين ءامَنُواْ إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فاعبدون} [العنكبوت: 56] وهي في نفسها جامعة فاذة اه. و{ءالَ} في المحسنين يحتمل أن تكون للعهد فالمراد بالمحسنين الذين جاهدوا، ووجه إقامة الظاهر مقام الضمير ظاهر وإلى ذلك ذهب الجمهور، ويحتمل أن يكون للجنس فالمراد بهم مطلق جنس من أتى بالأفعال الحسنة ويدخل أولئك دخولًا أوليًا برهانيًا. وقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه فسر {المحسنين} بالموحدين وفيه تأييد ما للاحتمال الثاني والله تعالى أعلم.
ومن باب الإشارة في الآيات: {أَحَسِبَ الناس أَن يُتْرَكُواْ} [العنكبوت: 2] الآية قال ابن عطاء: ظن الخلق أنهم يتركون مع دعاوى المحبة ولا يطالبون بحقائقها وهي صب البلاء على المحب وتلذذه بالبلاء الظاهر والباطن، وهذا كما قال العارف ابن الفارض قدس سره:
وتعذيبكم عذب لدى وجوركم ** علي بما يقضي الهوى لكم عدل

وذكروا أن المحبة والمحنة توأمان وبالامتحان يكرم الرجل أو يهان {وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ ءامَنَّا بالله فَإِذَا أُوذِىَ فِي الله جَعَلَ فِتْنَةَ الناس كَعَذَابِ الله} [العنكبوت: 10] إشارة إلى حال الكاذبين في دعوى المحبة وهم الذين يصرفون عنها بأذى الناس لهم {إِنَّ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فابتغوا عِندَ الله الرزق واعبدوه واشكروا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 17] قال ابن عطاء: أي اطلبوا الرزق بالطاعة والإقبال على العبادة، وقال سهل: اطلبوه في التوكل لا في المكسب فإن طلب الرزق فيه سبيل العوام {وَقَالَ إِنّى مُهَاجِرٌ إلى رَبّى} [العنكبوت: 26] أي مهاجر من نفسي ومن الكون إليه عز وجل، وقال ابن عطاء: أي راجع إلى ربي من جميع مالي وعلي، والرجوع إليه عز وجل بالانفصال عما دونه سبحانه، ولا يصح لأحد الرجوع إليه تعالى وهو متعلق بشيء من الكون بل لابد أن ينفصل من الأكوان أجمع {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر} [العنكبوت: 29] سئل الجنيد قدس سره عن هذه الآية فقال: كل شيء يجتمع الناس عليه إلا الذكر فهو منكر {مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَاء كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت} [العنكبوت: 41] أشار سبحانه وتعالى إلى من اعتمد على غير الله عز وجل في أسباب الدنيا والآخرة فهو منقطع عن مراده غير واصل إليه، قال ابن عطاء: من اعتمد شيئًا سوى الله تعالى كان هلاكه في نفس ما اعتمد عليه، ومن اتخذ سواه عز وجل ظهيرًا قطع عن نفسه سبيل العصمة ورد إلى حوله وقوته.
{وَتِلْكَ الامثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العالمون} [العنكبوت: 43] فيه إشارة إلى أن دقائق المعارف لا يعرفها إلا أصحاب الأحوال العالمون به تعالى وبصفاته وسائر شؤونه سبحانه لأنهم علماء المنهج، وذكر أن العالم على الحقيقة من يحجزه علمه عن كل ما يبيحه العلم الظاهر، وهذا هو المؤيد عقله بأنوار العلم اللدني {اتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب} ذكر أن حقيقة الصلاة حضور القلب بنعت الذكر والمراقبة بنعت الفكر فالذكر في الصلاة يطرد الغفلة التي هي الفحشاء والفكر يطرد الخواطر المذمومة وهي المنكر، هذا في الصلاة وبعدها تنهى هي إذا كانت صلاة حقيقية وهي التي انكشف فيها لصاحبها جمال الجبروت وجلال الملكوت وقرت عيناه شاهدة أنوار الحق جل وعلا عن رؤية الأعمال والأعواض، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: الصلاة إذا كانت مقبولة تنهى عن مطالعات الأعمال والأعواض {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] قال ابن عطاء: أي ذكر الله تعالى لكم أكبر من ذكركم له سبحانه لأن ذكره تعالى بلا علة وذكركم مشوب بالعلل والأماني والسؤال، وأيضًا ذكره تعالى صفته وذكركم صفتكم ولا نسبة بين صفة الخالق جل شأنه وبين صفة المخلوق وأين التراب من رب الأرباب{بَلْ هُوَ ءايات بينات فِي صُدُورِ الذين أُوتُواْ العلم} [العنكبوت: 49] فيه إشارة إلى أن عرائس حقائق القرآن لا تنكشف إلا لأرواح المقربين من العارفين والعلماء الربانيين لأنها أماكن أسرار الصفات وأوعية لطائف كشوف الذات، قال الصادق على آبائه وعليه السلام: لقد تجلى الله تعالى في كتابه لعباده ولكن لا يبصرون {ياعبادى الذين ءامَنُواْ إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فاعبدون} [العنكبوت: 56] قال سهل: إذا عمل بالمعاصي والبدع في أرض فاخرجوا منها إلى أرض المطيعين، وكأن هذا لئلا تنعكس ظلمة معاصي العاصين على قلوب الطائعين فيكسلوا عن الطاعة، وذكروا أن سفر المريد سبب للتخلية والتحلية، وإليه الإشارة بما أخرجه الطبراني والقضاعي، والشيرازي في الألقاب، والخطيب، وابن النجار، والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سافروا تصحوا وتغنموا كل نفس ذائقة الموت فلا يمنعنكم خوف الموت من السفر» {وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: 60] فلا يمنعنكم عنه فقد الزاد أو العجز عن حمله {والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} قال ابن عطاء: أي الذين جاهدوا في رضانا لنهدينهم إلى محل الرضا، والمجاهدة كما قال: الافتقار إلى الله تعالى بالانقطاع عن كل ما سواه، وقال بعضهم: أي الذين شغلوا ظواهرهم بالوظائف لنوصلن أسرارهم إلى اللطائف، وقيل: أي الذين جاهدوا نفوسهم لأجلنا وطلبا لنا لنهدينهم سبل المعرفة بنا والوصول إلينا، ومن عرف الله تعالى عرف كل شيء ومن وصل إليه هان عنده كل شيء، كان عبد الله بن المبارك يقول: من اعتاصت عليه مسألة فليسأل أهل الثغور عنها لقوله تعالى: {والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت؛ 96] وجهاد النفس هو الجهاد الأكبر نسأل الله تعالى التوفيق لما يحب ويرضى والحفظ التام من كل شر بحرمة حبيبه سيد البشر صلى الله عليه وسلم.

.سورة الروم:

مكية كما روى عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم بل قال ابن عطية: وغيره: لا خلاف في مكيتها ولم يستثنوا منها شيئا.
وقال الحسن: هي مكية إلا قوله تعالى: {فسبحان الله حين تمسون} الآية وهو خلاف مذهب الجمهور والتفسير المرضى كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه.
وآيها ستون وعند بعض تسع وخمسون.
ووجه اتصالها بالسورة السابقة على ما قاله الجلال السيوطي إنها ختمت بقوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وافتتحت هذه بوعد من غلب من أهل الكتاب بالغلبة والنصر وفرح المؤمنين بذلك وأن الدولة لأهل الجهاد فيه ولا يضرهم ما وقع لهم قبل ذلك من هزيمة هذا مع تواخيها لما قبلها في الافتتاح بالم ولا يخفى أن قتال أهل الكتاب ليس من المجاهدة في الله عز وجل وبذلك تضعف المناسبة ومن وقف على أخبار سبب النزول ظهر له أن ما افتتحت به هذه السورة متضمنا نصرة المؤمنين بدفع شماتة أعدائهم المشركين وهم لم يزالوا مجاهدين في الله تعالى ولأجله ولوجهه عز وجل ولا يضر عدم جهادهم بالسيف عند النزول وهذا في المناسبة أوجه فيما أرى من الوجه الذي ذكره الجلال فتأمل.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{الم (1)}
بسْم الله الرحمن الرَّحيم {الم} الكلام فيه كالذي مر في أمثاله من الفواتح الكريمة.

.تفسير الآية رقم (2):

{غُلِبَتِ الرُّومُ (2)}
{غُلِبَتِ الروم} هي قبيلة عظيمة من ولد رومي بن يونان بن علجان بن يافث نوح عليه السلام وقيل: من ولد يافان بن يافث، وقيل: من ولد روعويل بن عيص بن إسحق بن إبراهيم عليه السلام، وقال الجوهري: من ولد روم بن عيص المذكور صارت لها وقعة مع فارس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلبتها وقهرتها فارس.

.تفسير الآية رقم (3):

{فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)}
{فِى أَدْنَى الأرض} أي أقربها.
والمراد بالأرض أرض الروم على أن {ءالَ} نائبة مناب الضمير المضاف إليه والأقربية بالنظر إلى أهل مكة لأن الكلام معهم أو المراد بها أرض مكة ونواحيها لأنها الأرض المعهودة عندهم والأقربية بالنظر إلى الروم أو المراد بالأرض أرض الروم لذكرهم والأقربية بالنظر إلى عدوهم أعني فارس لحديث المغلوبية، وقد جاء من طريق عديدة أن الحرب وقع بين اذرعات وبصري، وقال ابن عباس. والسدي: بالأردن وفلسطين، وقال مجاهد: بالجزيرة يعني الجزيرة العمرية لا جزيرة العرب، وجعل كل قول موافقًا لوجه من الأوجه الثلاثة على الترتيب، وصحح ابن حجر القول الأول.
وقرأ الكلبي {فِى وَفِى الأرض} {وَهُمْ} أي الروم {مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ} أي غلب فارس إياهم على أنه مصدر مضاف إلى مفعوله أو إلى نائب فاعله إن كان مصدرًا لمجهول ورجحه بعضهم وافقته للنظم الجليل.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عمر رضي الله تعالى عنهما. ومعاوية بن قرة {غَلَبِهِمْ} بسكون اللام، وعن أبي عمرو أنه قرأ {غلابهم} على وزن كتاب والكل مصادر غلب، والجار والمجرور متعلق بقوله تعالى: {غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} وفي ذلك تأكيد لما يفهم من السين ولكون مغلوبهم من كان غالبهم، وفي بناء الجملة على الضمير تقوية للحكم أي سيغلبون فارس البتة، وقوله تعالى: